الجمعة، نونبر 23، 2007

أصيلة» في موسمها الثقافي الدولي.. حوار وموسيقى وفنون

19 août 2007
أصيلة» في موسمها الثقافي الدولي.. حوار وموسيقى وفنون
أصيلة» في موسمها الثقافي الدولي.. حوار وموسيقى وفنون

19/08/2007
حين تتحول الأفكار الكبيرة والصغيرة إلى واقع يزخر بمتعة الإصرار والتحدي
أصيلة: محمد بوخزار يحلو لبعض سكان أصيلة المغربية، في ذروة الانتشاء بالصورة التي تقدمها مدينتهم ثقافيا في الداخل والخارج، أن يقارنوها بالمدن العالمية الكبرى، بل يذهب خيال بعضهم في لحظة تجل وإعجاب، إلى القول إن العالم بأسره أصبح يقصد مدينتهم المستريحة في أحضان المحيط الأطلسي، بل الأجمل من ذلك حسب «الزيلاشيين»، كما يحلو لعمدتهم أن يسميهم، أن الذين يقطعون المسافات والقارات ويتحملون عناء السفر في شهر قائظ وفي ذروة فترة العطل، يمثلون أفضل رسل العالم إلى أصيلة، يتوزعون بين كبار رجال الفكر والسياسة وصناع القرار إلى جانب الأسماء الشامخة في سماء الفنون والآداب.
والمتتبع لمسار موسم أصيلة الثقافي الدولي، على مدى الأعوام التسعة والعشرين يستوقفه معطى ثابت، نما وتطور مع المهرجان منذ خطوات التأسيس الأولى. فقد شغل بال «المؤسس» محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، هاجس أن يخرج مشروعه الثقافي الذي أراده لمدينته، والذي نسج خيوطه في ذهنه، قبل أن يجرفه تيار الحنين الجارف إلى العودة للأرض التي مشى فوقها وهو صبي، يرنو وهو صغير إلى المستقبل بكل ما ترمز إليه الطفولة من براءة وسعة الحلم، أراد أن لا يصطبغ مشروعه بالنزعة المحلية الصرفة.
كانت الدعوة إلى الانفتاح على الخارج وإضفاء صبغة دولية على المهرجان، في العقد السابع من القرن الماضي، مغامرة وتحديا بل مخاطرة، بكل ما تحمل تلك الكلمات من معان. لم يكن الجو السياسي والثقافي والاجتماعي في المغرب صحيا ولا مسعفا، فالهوة متباعدة بشكل عميق بين الدولة ومن يفترض أنهم نخبها وعمادها لبناء الحاضر والمستقبل. وبدل أن يكونوا جنودا مجندين في خدمتها، تحولوا، في ظل أجواء الاحتقان الخانق إلى معاول لتدميرها وهدمها، ووجدوا أنفسهم في وضعية تضاد وتعارض تام معها. لم يحتمل بن عيسى، العائد، محملا بالأفكار الكبيرة والصغيرة، ذلك الوضع الذي لا يناسب بلدا يوجد فيه، رغم كل المظاهر السلبية، قدر من التعددية، وأقساط من حرية التعبير، وحيوية اجتماعية لا تخطئها العين، فأصر على استغلال الهامش المتاح إلى أقصى حد ممكن في إطار رؤية متقدمة للنهوض بالثقافة ستصبح لاحقا هي النموذج الذي يحتذى. هكذا دخل في حروب صغيرة، مع الدولة بدءا بالسلطة المحلية، وصولا إلى مراكز القرار الكبرى في العاصمة. استعمل سلاح إحراجها بدعوة أسماء مزعجة من وجهة نظرها، إلى فضاء مهرجان أصيلة، وهي التي لا ترغب في وجودهم، كونهم مصنفين عن خطأ أو صواب ضمن قوائم سوداء.
المهم أن القادمين إلى المغرب من حاملي لواء المعارضة لنظامه، اكتشفوا خطأ اعتقادهم، فجهروا في أصيلة بما لم يستطيعوه من أفكار وانتقادات في بلدانهم، دون أن تمتد إليهم في المغرب، يد رجل أمن أو استخبارات. وربما الذي استوعب الرسالة قبل غيره هو عاهل البلاد الراحل الملك الحسن الثاني، الذي ساند فيما بعد مشروع أصيلة الثقافي، وقد اطمأن لتوجهه وضرورته بالنسبة للبلاد.
كسب بن عيسى الرهان الأول، واستمر في مخططه دون ادعاء الانتصار على الدولة. تنامى عدد الراغبين في المجيء إلى أصيلة من الخارج، بعد أن تخلصوا من وهم الخوف الذي كان يقض مضاجعهم وأيقنوا أنهم سيفدون على بلد آمن. تلك خطوة، كانت ضرورية لإثارة انتباه النخب المغربية التي اكتشفت بالتدريج أنه لا يعقل أن يأتي الضيوف من الخارج للتداول بحرية في قضايا وطنية وإقليمية، دون أن يشاركوا هم في ذلك الجدل الذي اتسم خلال سائر مواسم أصيلة، بالغنى والخصوبة والحدة أحيانا، كونه يتم خارج القيود والتصنيفات. ومواسم أصيلة أصبحت مشروع المغرب بأكمله.
يحتوي البرنامج العام لفعاليات موسم أصيلة في دورته التاسعة والعشرين، على مواد وفقرات اعتاد رواد الموسم عليها من قبيل مشاغل وأوراش الصباغة والفنون التشكيلية، حيث تلتقي المواهب والبراعم القادمة من مختلف المدارس والآفاق، تتبادل التجارب وتناقش الأساليب والأشكال القديمة في التعبير الفني، سواء الأصيلة أو التي جلبها تطور المعارف والفنون. يبدعون لوحاتهم على الطبيعة، على مرأى الزوار المشاهدين أحيانا في المشاغل التي يهيئها الموسم لضيوفه الفنانين، حيث تتحول كثير من فضاءات المهرجان إلى معارض، في قصر الثقافة وفي مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، وفي مكتبة الأمير بندر بن سلطان، التي أصبحت قيمة مضافة في سجل أصيلة الثقافي، فضلا عن الجداريات التي تزين أسوار المدينة.
وما يستوقف النظر في البرنامج أن سائر الندوات المقررة هذا العام تتسم بكثافة المشاركين، الآتين من بلدان وقارات ومدارس واتجاهات فكرية وأدبية وفنية.
وفي مقدمة الندوات التي تنطلق بعد الافتتاح مباشرة يوم عشية الثالث من الشهر الجاري، ندوة «أفريقيا وأوروبا: تحديات الواحد والتزامات الآخر»، وهو موضوع أصبح أثيرا لدى راعي منتدى أصيلة محمد بن عيسى، لأسباب اختلط فيها العاطفي بالسياسي والثقافي والشخصي، فالرجل يقود دبلوماسية بلاده لمدة تقترب من العقد، وهي خارجة حاليا من الحضن القاري المؤسسي، الممثل في منظمة الوحدة الإفريقية، المتحولة إلى الاتحاد الإفريقي. وهو وضع أرغم المغاربة على قبوله، ويحاولون تغييره ليس لصالحهم، بل لصالح القارة التي ينتمون إليها.
ويدل الحضور الكثيف لوزراء أفارقة في الندوات السابقة التي ناقشت مواضيع متصلة بحاضر القارة وآفاق مستقبلها، على أمرين: اكتشافهم صورة المغرب الحقيقة، ثم ظمأ النخب الأفريقية إلى الحوار مع الآخر وخاصة أوروبا، حيث أصبحت العلاقات بين القارتين في مفترق الطرق، ولهذا فلا بد من إقامة حوار مستمر بين الطرفين، جسره المغرب وأصيلة. وهذا ما تميزت به ندوات سابقة كانت القارتان محور اهتمامها. ولهذا السبب اختار بن عيسى متدخلين رئيسيين سيدشنان انطلاقة الحوار بين المتناظرين الأوروبيين والأفارقة. هما كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بينما يمثل الجانب الأوروبي، جوزيب بوريل، الوزير الاشتراكي الإسباني الأسبق، والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.
من أجواء الحوار السياسي والفكري بين الأفارقة والأوروبيين، سيتابع رواد موسم أصيلة هذا العام وقائع حدث فني فريد، لا تنهض بتنظيمه سوى الدول والمنظمات ذات الإمكانيات السخية. يتعلق الأمر بانعقاد المؤتمر الأول للموسيقى في عالم الإسلام، الذي يمتد من 8 إلى 13 الجاري، يشارك فيه دارسون وعازفون ومنتسبون إلى عالم الموسيقى الرحب. ينعقد المؤتمر منذ سنتين، وبدأ أثناء ندوة عن الموسيقى في عالم الإسلام، ضمن فعاليات موسم أصيلة 27. يتوخى مؤتمر موسيقى عالم الإسلام، تثمين حيوية وتنوع التقاليد والممارسات الموسيقية في عالم الإسلام اليوم من أجل المساهمة في إشاعة المعرفة الموسيقية على أوسع نطاق، على اعتبار أنها تحمل رسالة التسامح والاعتراف بالقيمة المتبادلة بين الشعوب وحضاراتها وفنونها، مع الوقوف على التطورات التي أصابتها، بعضها أصيل والبعض الآخر وافد من التراث الأجنبي.
في صميم البرنامج المخصص للندوات الفكرية الخالصة، تلتئم على مدى ثلاثة أيام من 15 إلى 17 الجاري، ندوة النخبة المثقفة والفكر السلفي في الوطن العربي. وهي بدورها استمرار بشكل من الأشكال وتطوير وإخصاب لما راج في ندوات مماثلة احتضنتها أصيلة، آخرها ندوة العام الماضي التي قاربت حركية التجديد في عالم الإسلام اليوم. وتسعى الندوة الراهنة إلى مقاربة إشكالية باتت سمة من سمات الوضع الفكري في عدد من البلدان العربية، حيث يتبادل المعسكران السلفي والحداثي التهم بخصوص من يتحمل مسؤولية إبطاء إقلاع نهضة العالم العربي وإنجاز مشروعه التنويري. وقد ترتب عن هذا التطاحن الفكري، المستتر تارة والمعلن عن نفسه تارة أخرى في الساحات العامة، تفاعلات يمكن القول إنها أصبحت معرقلة للتقدم. لا تكتمل الصورة، دون الإشارة إلى السهرات والأمسيات الفنية الموازية التي يتيحها موسم أصيلة لزوار المدينة، فضلا عن أجواء السمر المفتوح الذي تشجع عليه ليالي المدينة المزدانة بالوجوه الزائرة. وإلى جانب تلك المتع يلتقي المثقفون المعتادون على الموسم حول طاولات يوجد فوقها ما لذ وطاب من النميمة والدردشات الخائضة في كل المواضيع

ليست هناك تعليقات: