الجمعة، نونبر 23، 2007

الانتخابات التشريعية: التحليقات البلاغية للصحافة الاسبانية

الانتخابات التشريعية: التحليقات البلاغية للصحافة الاسبانية
الرباط 19 – 9 – 2007 / بقلم عبد الكريم الموس / أثارت الانتخابات التشريعية لسابع شتنبر الجاري، وكما كان منتظرا، العديد من ردود الفعل التي كانت في مجملها إيجابية عبر العالم، فضلا عن تعاليق صحفية وتحاليل ملاحظين، اتخذت كلها نفس المنحى، وأجمعت على أن الاقتراع كان مطابقا للمعايير الديموقراطية، مع تسجيل وكما هو الشأن بكافة البلدان، بعض الأحداث المعزولة التي لم تؤثر بشكل كبير على العملية إجمالا. فقد أكدت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والملاحظون الدوليون الذين تم إرسالهم إلى عين المكان، سلامة هذا الاقتراع والشفافية التي جرى فيها، وحياد السلطات العمومية والضمانات الإدارية والقانونية التي واكبت هذه العملية من البداية وحتى النهاية.وحدها الصحافة الإسبانية، وكما كان منتظرا أيضا، كانت لها وجهة نظر مغايرة جاءت معاكسة تماما تلك التي عبر عنها العالم بأسره.فقد اعتقد صحفيوها " الأذكياء جدا " سواء أولئك الذين تم إرسالهم إلى عين المكان أو الذين فضلوا الكتابة انطلاقا من مكاتبهم البعيدة في إسبانيا، أنه إمكانهم جميعا أن يكتشفوا في هذا الاقتراع ما لم يستطع أحد آخر إدراكه، لقد تمكنوا، كما يبدو، ن فهم ما استعصى فهمه على الباقين، كل الباقين.وهكذا، فقد انكبوا وكما لو أنهم مدفوعون بموجة انتقامية في فبركة "مقالات" مستعجلة، مليئة بصيغ بلاغية ، أعطت في مجملها تركيبة مرعبة من الافتراءات والأكاذيب والتشكيك.وبالدليل، فصحيفة "إيل بيريديكو" وجدت أن "هذه لانتخابات كانت وهمية" لا أقل ولا أكثر، فهي تفرض بالتالي " حقيقتها " باعتبارها من البديهيات، التي لا غبار عليها ودون ترك مجال للشك الذي هو من سمات كل وسيلة إعلامية تحترم نفسها، في غياب عناصر تقييم لا مراء فيها.وعلى نفس المنوال، وصفت "إيل بايس" بالرغم من ترفعها عادة عن توجيه عبارات لاذعة، هذه الانتخابات ب"الفشل الكبير" من دون أن توضح من فشل ؟ وكيف ؟ ومن هو الغالب والمغلوب في نظرها ؟ ورغبة منها في عدم تفويت المشاركة ، بأي ثمن ، في جوقة القذف هذه، تفتقت عبقرية يومية "أ بي سي" لتقول ببساطة إن :" الديمقراطية في المغرب بدأت تفقد مناصريها ".أما وإذا كانت العقول الخفية التي توجه هذه اليومية قرأت القليل من أبيات المفكر النزيه سيسيرون ، فقد كان بإمكانها أن تدرك أن " التفلسف لا يعني أي أمر آخر سوى الاستعداد للموت ".ومن جهتها، كانت يومية " لاراثون " أكثر حدة في انتقادها وتنبأت بأن " لا شيء سيتغير في السنوات المقبلة بالمغرب ".غير أن المسؤولين في "لاراثون"، فضلوا عدم إشباع رغبة قرائهم في معرفة المزيد، و"أغفلوا " توضيح ما إذا كان هذا التأكيد نبوءة صحافية أو بالأحرى من عراف شهير بشبه الجزيرة الإيبيرية.ومن جانبه، فضل مراسل "فنغوارديا" الاكتفاء بكتابة جملة واحدة ، فيوم الجمعة سابع شتنبر بالنسبة له " لم يثر أدنى اهتمام، شأنه في ذلك شأن الحملة الانتخابية".وسيكون من المفيد لمسؤولي هذه الصحيفة التأكد قبل كل شيء من أن لدى مبعوثيهم الخاصين جدا وباقي المراسلين أعينا ترى وآذانا تسمع.وخلال الحملة الانتخابية (25 غشت-6 شتنبر) انعقد1300 تجمع عبر المملكة حضره أزيد من300 الف شخص. وهذا يعني بالنسبة لصحيفة "فانغوارديا"، " تحركوا، ليس هناك ما يستحق المشاهدة ".أما بالنسبة ل "إلموندو" التي دأبت على تسخير أقلامها للإهانة والشتيمة، لمبالغة في السرد فإنها ليست جديرة بالتوقف عندها.ويوضح هذا إلى أي مدى تتصرف فيه الصحافة الاسبانية وكأنها في حلبة، كلما تعلق الأمر بالنسبة لها بمعالجة الشؤون المغربية رافعة شعارا واحدا : تسديد الضربات.فإما أن صحافييها لم يتشبعوا بما فيه الكفاية أو غير متشبعين البتة بواجب الإخبار أو أنهم يعتقدون أن قراءهم جهلاء لشحنهم، حسب رغباتهم، بالترهات بجميع أصنافها.في كلتا الحالتين، فإننا بالتأكيد أمام مغالطة إعلامية تقطع مع روح التحليل ودقة الملاحظة التي تتميز بها الصحافة الأوروبية الأصيلة.وفي الواقع، لم تنجح الصحافة الاسبانية قط في السيطرة على طبعها المعادي لمغرب، ومقاومة متعة التشهير، ولم تنجح في تجاوز الضغينة وتدبير الانزلاقات التحريرية والتحكم في انحرافات التحرير وإدماج المتطلبات المهنية ولاسيما التأكد من صحة الخبر ودقة التحليل.فمن خلال معالجتها للأحداث، وتعليقاتها حول انتخابات سابع شتنبر، يبدو جليا انه لم يكن للصحف الاسبانية إلا هدف واحد هو إطلاق النار عن سبق إصرار على جارها المغرب.وبكل تأكيد وبدون أدنى شك، سيكون لديها الوقت لمعاينة الحصيلة المرة للعناء الذي تكبدته من دون طائل

ليست هناك تعليقات: