السبت، دجنبر 16، 2006

ا احتجا ج لإقامة الإجبارية لصناديق الموت البطيء فوق رؤوس هؤلاء المواطنين



احتجاج سكان تطوان على الحرب التي تخوضها شركات الهاتف المحمول بتحالف مع السلطات، ضد صحتهم وسلامتهم.
في خضم الحرب المفتوحة التي تشنها شركات الهاتف المحمول على صحة المواطنين وسلامتهم بتطوان بدعم من السلطات المحلية، من خلال الإقامة الإجبارية لصناديق الموت البطيء فوق رؤوس هؤلاء المواطنين، كما يتجلى عبر اكتساح محطات الإرسال اللاسلكي للهاتف المحمول لأسطح المباني بمختلف أنحاء المدينة، مستغلة في ذلك جشع بعض الملاك الذين يستجيبون للإغراءات المالية الممنوحة لإقامة تلك المحطات، ومنتهزة التعتيم المفتعل حول المخاطر الصحية الناجمة عن الإشعاعات التي تنبعث من هذه المحطات، ومستفيدة من المساندة غير المشروطة التي تحظى بها من طرف أجهزة الدولة محليا ومركزيا، الأمر الذي أثار غضب المواطنين، خاصة أن استصراخهم الجهات المعنية يظل صيحة في واد، فبدأوا يتصدون لنصب هذه المحطات، وقد تم إفشال ست عمليات لهذا النصب على مستوى المدينة.
في هذا السياق أجهض سكان المحنش الثاني بشارع اخنيفرة مؤخرا المؤامرة التي دبرتها إدارة اتصالات المغرب، بتواطؤ من أجهزة السلطة والأمن، حينما سعت إلى تثبيت صندوق المحطة فوق إحدى البنايات، خلسة وخارج الوقت الرسمي للعمل (س:6:00)، إلا أن الضجيج القوي الذي أحدثته الرافعة أفزع الناس وروع سكينتهم فهرعوا إلى الشارع محتجين على هذا الانتهاك السافر لأمنهم وطمأنينتهم، ورافضين إرغامهم على قبول هذه المحطة التي تهدد صحتهم وسلامتهم. وخلال هذه الجلبة طفح صوت قائد مقاطعة المطار الذي نصب نفسه مدافعا عن الشركة، فبدأ يقذف بعبارات الوعيد (إنذاره أحد المواطنين بكتابة محضر في شأنه واعتقاله) والتهديد (توجيهه لأحد المواطنين تهمة نعت السلطة باللصوص). لكن كل هذا لم يزد حدة الاحتجاج إلا تأججا. فأقبرت هذه المؤامرة وقرئت عليها جمل التنديد والاستيلاء، التي شكلت صياغة عريضة الاستنكار.
خلال اليوم الموالي عاودت هذه الشركة الكرة في منتصف النهار مدعومة بحضور كثيف لممثلي مختلف أجهزة السلطة علاوة على القوات العمومية، فحاولت الشاحنة الرافعة اختراق حشود المواطنين فتعالت أصوات الشجب والتنديد وألقى بعض المحتجين بأنفسهم على الأرض، فساد جو رهيب من التوتر والتوجس. في هذا الظرف العصيب استطاع عضوان من جمعيتي: (ن.أ) و(ل.و.م.ف) فتح تفاوض مع صاحب البناية المعنية بإقامة المحطة فوقها حول إلغاء العقد المبرم بينه وبين شركة اتصالات المغرب، بحضور بعض السكان المعنيين وشخصين محسوبين على الشركة. في هذه الأثناء برزت شخصية رئيس الشؤون العامة بالولاية بوصفه قائدا للجوقة التي تطبل وتزمر لإقامة محطة الفتك بالصحة العامة؛ بل جعل نفسه وصيا على هذا التفاوض من خلال تدخلاته العديدة في سياق التضليل (نفي المخاطر الصحية للمحطة) والترهيب (تحميل المسؤولية لأحد المتفاوضين). لكن القول الفصل كان لإرادة الصالح العام، فأعلن عن الإلغاء الرسمي للعقد المبرم مع الشركة، لتنطلق زغاريد النسوة اللواتي أبلين البلاء الحسن لطرد شبح الشر.
بالرغم من تحقق هذه الخطوة الصغيرة على درب النضال للحد من انتشار محطات إرسال الأمراض الفتاكة على رأسها السرطان. فإن هذا الحدث كان مناسبة لطرح تساؤلات تجلي حيرة المواطن وقلقه، منها:
ـ التساؤل عن مصداقية المهام الموكولة إلى السلطات العمومية والمرتبطة بحقوق المواطنين، خاصة سلطة الصحة التي ترفع شعار الوقاية خير من العلاج. فهل الإجراءات الوقائية هي التفرج على هذه المحطات أو التصفيق لها، في حين أن بعض الأمراض الفتاكة الناتجة عنها تكلف الوزارة المعنية ميزانية ضخمة لعلاجها. وكذلك السلطة الإدارية التي أنيط بها حماية أمن المواطنين، فهل كلمة (أمن) من الألفاظ التي تحمل معنيين متضادين. فيتحول إلى إرهاب، حينما يتعارض مع أمن المستثمر خاصة الأجنبي، بإكراه المواطنين على قبول الضرر واستساغة الظلم بالقوة.

ـ التساؤل عن مسؤولية المؤسسات التمثيلية، خاصة الجماعة المحلية التي من مهامها مراقبة البنايات، فكيف ترخص بإقامة منشأة زائدة على البناء الأصلي الذي لم يبن لهذا الغرض علاوة على افتقاره إلى التجهيزات الواقية من مخاطر تلك المنشأة. وكذلك مؤسسة البرلمان بوصفها جهازا تشريعيا، لماذا لم تبادر إلى إصدار قوانين أكثر دقة للحسم في السجال الفقهي الدائر في مثل هذه النوازل. وأيضا بوصفها أداة لمراقبة عمل الحكومة، لماذا لا يطرح خلال المداولات العمومية مشكلة المخاطر الصحية الناتجة عن هذه المحطات بشكل دقيق وعميق.
ـ التساؤل عن دور الإعلام، خاصة السمعي البصري، في تنوير الرأي العام وتوعيته بمخاطر هذه المحطات. وفضح الانتهاكات التي تطال حقوق المواطنين في هذا الصدد. فلماذا لم تستجب القناة الثانية للدعوات المتكررة لسكان المحنش الثاني واكتفت بالتعلل بغياب المسؤولة عن مثل هذه القضايا، فلماذا الإجهاز على حق هؤلاء المواطنين في التغطية الإعلامية ما داموا ملزمين بالأداء القسري شهريا عن خدمات هذا الإعلام. ولماذا لا تعرض برامج علمية وقانونية مرتبطة بهذا الموضوع.
إنها تساؤلات عديدة تكشف بوضوح عن عمق الشروخ القائمة بين: المسؤول الذي لا يسأل، والمسؤولية التي لا تُحمل، والمسؤول عنه الذي لا يحتمل. (ع .ف)

ليست هناك تعليقات: